تَفَرُّد نت - Tafarud.net

تصميم جديد لرقائق الكترونية تناظرية تقربنا من إنشاء حواسيب تعمل كالدماغ البشري

إن التقدم في تعلم الآلات (Machine Learning) قد انطلق نحو الأمام في السنوات السابقة بخطىً سريعة، لكن معالجات الحواسيب التي تُشّغِل هذه البرامج بالكاد تغيرت. ولحل هذه المشكلة، فإن الشركات باتت تعيد تعديل وتوليف بنية الرقائق الإلكترونية (chip) الموجودة لتلائم متطلبات الذكاء الاصطناعي AI (Artificial Intelligence)؛ لكن، وبناءً على ما توصلت إليه آخر الأبحاث، فإن هناك طريقةً جديدةً بالكامل لصناعة معالجاتٍ مميزةً قادرةً على العمل كأدمغتنا.

هذا ما يُسمى بالحوسبة الشبيهة بالأعصاب أو (neuromorphic computing) وقد أعلن علماء من معهد ماساشوستس للتكنلوجيا MIT بأنهم قد أحرزوا تقدماً كبيراً في تطوير هذه الرقائق الإلكترونية وتشغيلها. وبحثهم هذا الذي تم نشره في مجلة نيتشر ماتيريالز (Nature Materials)، يمكن أن يقود أخيراً إلى معالجاتٍ قادرةٍ على تشغيل خوارزميات التعلم الآلي بمتطلبات طاقةٍ منخفضة –أقل ألف مرةٍ مما مضى- وهذا بدوره سيمكننا من إعطاء قدرات الذكاء الاصطناعي كالتعرف على الصور والصوت (voice and image recognition) لمزيد من الاجهزة.

ولكي نفهم أكثر ما قام به الباحثون، يجب علينا أن نتعرف قليلا على الرقائق الإلكترونية الشبيهة بالأعصاب (neuromorphic chip). والفرق الأساسي بين هذه المعالجات والمعالجات المستخدمةِ في حاسبوك الشخصي هو أنها تعالج البيانات بشكلٍ متناظر (analog)، عوضاً عن الشكل الرقمي –الموجود في المعالجات التقليدية-. أي أنه وعوضاً عن إرسال المعلومات بشكل سلسلةٍ من فتح وغلق للنبضات الكهربائية on وoff، فإن هذه المعالجات تعمل على تنويع شدة هذه الإشارة كما يحدث في المشابك العصبية داخل الدماغ.

وهذا كله يعني أنه بات من الممكن إرسال حزمةٍ أكبر من المعلومات في كل إشارة مما يخفض الطاقة المستخدمة بشكلٍ كبير، وهو ما يشبه الفرق بين شفرة مورس (morse code) والكلام؛ فالأولى (شفرة مورس) تشفر البيانات باستعمال مُخرجين (output) فقط هما النقطة dot “.” والخط dash “-” وهذا يجعل المعاني سهلة الفهم، لكنها تحتاج وقتاً طويلاً للتواصل؛ أما الكلام، وعلى النقيض من ذلك، فقد يكون صعب الفهم (كما هو الحال عند وجود مشكلةٍ في خطوط الهاتف، أو عند الوجود في مقهىً مزدحم) لكن كل كلمةٍ تُقال تحمل بياناتٍ أكثر.

لكن، هناك مشكلةٌ كبيرةً تخص هذا الأمر (ونعني هنا تصميم الرقائق الإلكترونية الشبيهة بالأعصاب)، ألا وهي التحكم بهذه الإشارات التناظرية (analog signals) بدقة؛ حيث أن شدة هذه الإشارات يجب أن تتغير، لكن بطريقةٍ متجانسةٍ ومُتَحَكمٍ بها.

فضلاً عن ذلك، فإن إيجاد وسطٍ ملائمٍ تنتقل به هذه الإشارات الكهربائية المُتغيرة لم يكلل بالنجاح، حيث ينتهي الأمر بالتيار الكهربائي بالانتشار والضياع في كل مكان. ولحل هذه المشكلة، فإن الباحثين بقيادة العالم من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا جيهوان كيم (Jeehwan kim) استعملوا أشكالاً كريستالية من السيليكون (silicon) والجيرمانيوم (germanium) والتي تشبه المشابك على المستوى المجهري، وبذلك، شكلت هذه البنية الكريستالية طريقاً سالكاً للإشارات الكهربائية مما أدى إلى نقص الاختلافات في شدة الإشارات.

وعلى ذلك علق العالم كيم: “إنها أكثر الأجهزة التي استطعنا إنشاءها تنظيماً، وهذا سيشكل المفتاح لتشكيل الشبكات العصبية الصناعية”.

وللتحقق من صحة هذا الافتراض، فإن كيم وفريقه أنشؤوا محاكاةً لهذا التصميم الجديد للرقاقة الإلكترونية، مع نفس درجة الاختلاف في الإشارات؛ ومن ثم، وباستعمالها، كان العلماء قادرين على تدريب شبكةٍ عصبيةٍ إلكترونية قادرة على تمييزِ خط اليد بدقةٍ تصل إلى %95 – وحقيقةً فإن تمييز خط اليد هو تمرينٌ اختباري لأشكال الذكاء الاصطناعي الجديدة-. وعلى الرغم نسبة دقة تمييز الخط هذه أقل من نتيجة الـ %97 التي يمكن الحصول عليها بإستخدام الخوارزميات والرقائق الإلكترونية الموجودة حاليا إلا أن هذه النتيجة تُعتبر واعدةٌ بالنسبة لتكنولوجيا جديدة.

وختاماً، فما زال أمامنا طريقٌ طويلٌ لنقطعه قبل أن نعرف فيما إذا كانت الرقاقات الشبيهة بالأعصاب ملائمةً للإنتاج على الصعيد التجاري والاستخدام العملي. وعلى كلٍ، فإنك عندما تحاول إعادة تصميم الطريقة التي تفكر بها الحواسيب بشكل جذري، فلا بد لك أن تبذل الكثير من الجهد. وما جَعلُ الرقاقاتِ الإلكترونية الشبيهة بالأعصاب قادرةً على إطلاق تشابكاتها واتصالاتها الكهربائية بإنتظام إلا بداية الطريق.

المصدر

اضف تعليق

حساب تويتر

تابعوا حساب تويتر للمقالات باللغة الانجليزية.